الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

التوكل والتواضع. القناعة والرضا.ما جاء في الفقر

باب التوكل والتواضع:
541- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا حيوة بن شريح قال: أخبرني أبو هانئ الخولاني أن عمرو بن مالك حدثه أنه سمع فضالة بن عبيد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «طوبى لمن هدي للإسلام، وكان عيشه كفافا، وقنع».
542- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا حيوة بن شريح قال: حدثنا أبو هانئ الخولاني أنه سمع عمرو بن حريث وغيره يقولان: إنما أنزلت هذه الآية في أصحاب الصفة: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض} وذلك أنهم قالوا: لو أن لنا الدنيا، فتمنوا الدنيا. قال ابن صاعد: عمرو بن حريث هذا رجل من مصر، ليست له صحبة، وليس هو عمرو بن حريث المخزومي، الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه.
543- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا سفيان، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم يعني التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: ذو الدرهمين أشد حسابا- أو قال: حبسا- من ذي الدرهم.
544- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي مريم الغساني قال: حدثنا ضمرة، والمهاصر بن حبيب، وحكيم بن عمير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يبعث الله يوم القيامة عبدين من عباده كانا على سيرة واحدة، أحدهما مقتور عليه، والآخر موسع عليه، فيقبل المقتور في الجنة، لا ينثني عنها حين ينتهي إلى أبوابها، فيقول له حجبتها إليك، فيقول: إذا لا أرجع، وإن سيفه في عنقه، فيقول: إني أعطيت هذا السيف في الدنيا أجاهد به، فلم أزل مجاهدا به حتى قبضت وأنا على ذلك، فيرمي بسيفه إلى الخزنة، وينطلق لا يثنونه، ولا يحبسونه عن الجنة، فيدخلها، فيمكث فيها دهرا، قال: ثم يمر به أخوه الموسع عليه، فيقول له: يا فلان، ما حبسك؟ فيقول: ما خلي سبيلي إلا الآن، ولقد حبست ما لو أن ثلاث مائة بعير أكلت حمضا، لا يردن الماء إلا خمسا، وردن على عرقي لصدرن منه ريا».
545- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني من سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أتخوف على أمتي ضعف اليقين».
546- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا جرير بن حازم قال: سمعت الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا إن الناس لم يؤتوا في الدنيا شيئا خيرا من اليقين، والعافية، فسلوهما الله عز وجل». وقال الحسن: صدق الله، وصدق رسوله، باليقين هرب من النار، وباليقين طلبت الجنة، وباليقين صبر على المكروه، وباليقين أديت الفرائض، وفي معافاة الله خير كثير، قد والله رأيناهم يتقاربون في العافية، فإذا وقع البلاء تباينوا.
547- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا حيوة بن شريح قال: حدثني بكر بن عمرو، عن عبد الله بن هبيرة أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله؛ لرزقكم كما ترزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا».


.باب القناعة والرضا:
548- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا سفيان، عن سليمان، عن شمر بن عطية، عن المغيرة بن سعد بن الأخرم، عن أبيه، عن ابن مسعود قال: ما يضر عبدا يصبح على الإسلام، ويمسي عليه، ماذا أصاب من الدنيا.
549- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا ابن لهيعة قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب أن ربيعة بن لقيط أخبره أنه كان مع عمرو بن العاص عام الجماعة، وهم راجعون من مسكن، وأمطروا دما عبيطا، قال ربيعة: ولقد رأيتني أنصب الإناء فيمتلئ دما عبيطا، فظن الناس أنها هي، وماج الناس بعضهم في بعض، فقام عمرو بن العاص، فأثنى على الله عز وجل بما هو له أهل، ثم قال: يا أيها الناس، أصلحوا ما بينكم وبين الله تعالى، ولا يضركم ولو اصطدم هذان الجبلان.
550- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا عيسى بن سبرة قال: سمعت المقبري يقول: قال أبو هريرة: تعس عبد الدينار وعبد الدرهم، بادروا النوكى المكبين على الدنيا.
551- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا شريك، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كان عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: اتخذوا المساجد مساكن، والبيوت منازل، وكلوا من بقل البرية، وانجوا من الدنيا بسلام. قال شريك: فذكرت ذلك لسليمان، فزادني: واشربوا من الماء القراح.
552- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الأسود بن شيبان السدوسي، قال الفضل بن ثور بن شقيق بن ثور- وكانت تهمه نفسه- قلت للحسن: يا أبا سعيد، رجلان طلب أحدهما الدنيا بحلالها، فأصابها، فوصل فيها رحمه، وقدم فيها لنفسه، وجانب الآخر الدنيا؟ فقال: أحبهما إلي الذي جانب الدنيا، فأعدت عليه، فأعاد علي مثلها.
553- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا محمد بن سليم قال: حدثنا الحسن قال: قال أبو الصهباء- وهو صلة بن أشيم: طلبت الرزق في وجوهه فأعياني أن أصيبه إلا رزق يوم بيوم، فعلمت أنه خير لي.
554- وقال: وسمعت الحسن، وإلا فحدثني داود، عن الحسن أنه قال: ما من مسلم يرزق رزق يوم بيوم، ولا يعلم أنه قد خير له إلا عاجز، أو قال: غبي الرأي.


.باب ما جاء في الفقر:
555- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا عبد الرحمن المسعودي، عن علي بن بذيمة، عن قيس بن حبتر الأسدي قال: قال عبد الله بن مسعود: حبذا المكروهان: الموت، والفقر، وايم الله ما هو إلا الغنى والفقر، وما أبالي بأيهما ابتليت؛ لأن حق الله في كل واحد منهما واجب، إن كان الغنى إن فيه للعطف، وإن كان الفقر إن فيه للصبر.
556- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا عبد الرحمن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال عبد الله بن مسعود: لوددت أني من الدنيا فرد كالراكب الرائح الغادي.
557- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن سعد بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الفقر أحسن- أو أزين- بالمؤمن من العذار الجيد على خد الفرس.
558- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا محمد بن سوقة، عن علي بن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من بعض بيوته إلى المسجد، فلم ير أحدا فيه، فسمع في زاوية من زاوياه صوتا فأتاهم، فقال: «الصلاة تنتظرون؟ أما إنها صلاة لم تكن في الأمم قبلكم، وهي العشاء»، ثم نظر إلى السماء، فقال: «إن النجوم أمان للسماء، فإذا طمست النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمان لأصحابي، فإذا مت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمان لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون».
559- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا إسماعيل بن عياش قال: أخبرني عبيد الله أبو عبد الله بن سليمان، عن عثمان بن حيان قال: أكلنا مع أم الدرداء طعاما، فأغفلنا الحمد لله، فقالت: يا بني، لا تدعوا أن تأدموا طعامكم بذكر الله، أكلا وحمدا، خير من أكل وصمت.
560- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: قال: أخبرنا الأوزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبالي ما رددت به عني الجوع».
561- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا إسماعيل المكي، عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مثل أصحابي في أمتي كالملح في الطعام:، لا يصلح الطعام إلا بالملح». قال الحسن: فقد ذهب ملحنا، فكيف نصلح؟
562- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا سفيان، عن سليمان، عن خيثمة قال: قال سليمان بن داود صلى الله عليهما: كل العيش قد جربناه، لينه وشديده، فوجدنا يكفي منه أدناه.
563- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أخيه، عن مصعب بن سعد أن حفصة قالت لعمر: ألا تلبس ثوبا لينا ألين من ثوبك، وتأكل طعاما أطيب من طعامك هذا؟ فقد فتح الله عليك الأرض، وأوسع عليك من الرزق، قال: سأخصمك إلى نفسك. فذكر أمر رسول الله صلى الله عليه، وما كان يلقى من شدة العيش، ولم يزل يذكر حتى بكت، ثم قال عمر: لأشركنهما في مثل عيشهما الشديد؛ لعلي أدرك معهما مثل عيشهما الرخي.
564- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا معمر، عن يحيى بن المختار، عن الحسن أنه ذكر رسول الله صلى الله عليه فقال: «لا والله ما كانت تغلق دونه الأبواب، ولا تقوم دونه الحجبة، ولا يغدى عليه بالجفان، ولا يراح عليه بها، ولكنه كان بارزا، من أراد أن يلقى نبي الله صلى الله عليه وسلم لقيه، وكان والله يجلس بالأرض، ويوضع طعامه بالأرض، ويلبس الغليظ، ويركب الحمار، ويردف بعده، ويلعق والله يده».
565- قرأ الشيخ أبو محمد ظاهر النيسابوري، على الشيخ الثقة أبي محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري ببغداد بباب المراتب حرسها الله غداة يوم الإثنين تاسع عشر جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وأربعمائة، قال أخبركم أبو عمر محمد بن العباس بن محمد بن زكريا بن حيويه، وأبو بكر محمد بن إسماعيل قراءة على كل واحد منهما وأنت حاضر تسمع قالا: أخبرنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال، حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا محمد بن أبي ذئب، عن مسلم بن جندب، عن أسلم مولى عمر قال: قدم عليه معاوية بن أبي سفيان، وهو أبيض وأبض الناس وأجملهم، فخرج إلى الحج مع عمر بن الخطاب، فكان عمر بن الخطاب ينظر إليه، فيعجب له، ثم يضع أصبعه على متنه، ثم يرفعها عن مثل الشراك، فيقول: بخ بخ، نحن إذا خير الناس إن جمع لنا خير الدنيا والآخرة، فقال معاوية: يا أمير المؤمنين، سأحدثك إنا بأرض الحمامات والريف، فقال عمر: سأحدثك ما بك، إلطافك نفسك بأطيب الطعام، وتصبحك حتى تضرب الشمس متنك، وذوو الحاجات وراء الباب، قال: فلما جئنا ذا طوى أخرج معاوية حلة فلبسها، فوجد عمر منها ريحا كأنه ريح طيب، فقال: يعمد أحدكم فيخرج حاجا تفلا حتى إذا جاء أعظم بلدان الله: حرمه، أخرج ثوبيه كأنهما كانا في الطيب فلبسهما، فقال معاوية: إنما لبستهما لأن أدخل فيهما على عشيرتي أو قومي، والله لقد بلغني أذاك ههنا وبالشام، والله يعلم لقد عرفت الحياء فيه، ونزع معاوية الثوبين، ولبس ثوبيه اللذين أحرم فيهما.
566- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: رأى عمر بن الخطاب يزيد بن أبي سفيان كاشفا عن بطنه، فرأى جلدة رقيقة، فرفع عليه الدرة، فقال: أجلدة كافر.
567- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني يحيى الطويل، عن نافع قال: سمعت ابن عمر يحدث سعيد بن جبير قال: بلغ عمر بن الخطاب أن يزيد بن أبي سفيان يأكل ألوان الطعام، فقال عمر لمولى له يقال له يرفأ: إذا علمت أنه قد حضر عشاؤه فأعلمني، فلما حضر عشاؤه أعلمه، فأتى عمر، فسلم، واستأذن، فأذن له، فدخل، فقرب عشاءه، فجاء بثريدة لحم، فأكل عمر معه منها، ثم قرب شواء، فبسط يزيد يده، فكف عمر، ثم قال عمر: والله يا يزيد بن أبي سفيان، أطعام بعد طعام؟ والذي نفس عمر بيده، لئن خالفتم عن سنتهم ليخالفن بكم عن طريقتهم. قال ابن صاعد: هذا حديث غريب ما جاء بهذا الإسناد أحد إلا ابن المبارك.
568- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يقول: قدم على أمير المؤمنين عمر وفد من أهل البصرة مع أبي موسى الأشعري، قال: فكنا ندخل عليه، وله كل يوم خبز يلت، وربما وافيناه ما دوم بسمن، وأحيانا بزيت، وأحيانا باللبن، وربما وافقنا القدائد اليابسة قد دقت، ثم أغلي بماء، وربما وافقنا اللحم الغريض وهو قليل، فقال لنا يوما: إني والله لقد أرى تعذيركم، وكراهيتكم طعامي، وإني والله لو شئت لكنت أطيبكم طعاما، وأرقكم عيشا، أما والله ما أجهل عن كراكر وأسنمة، وعن صلاء، وعن صلائق، وصناب- قال جرير: الصلاء الشواء، والصناب الخردل، والصلائق الخبز الرقاق- ولكني سمعت الله تعالى عير قوما بأمر فعلوه، فقال: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها}، قال: فكلمنا أبو موسى الأشعري، فقال: لو كلمتم أمير المؤمنين، ففرض لكم من بيت المال طعاما تأكلونه، قال: فكلمناه، فقال: يا معشر الأمراء، أما ترضون لأنفسكم ما أرضى لنفسي، قال: فقلنا: يا أمير المؤمنين، إن المدينة أرض العيش بها شديد، ولا نرى طعامك يغشى، ولا يؤكل، وإنا بأرض ذات ريف، وإن أميرنا يغشى، وإن طعامه يؤكل، قال: فنكس عمر ساعة، ثم رفع رأسه فقال: قد فرضت لكم من بيت المال شاتين، وجريبين، فإذا كان بالغداة فضع إحدى الشاتين على أحد الجريبين، فكل أنت وأصحابك، ثم ادع بشراب فاشرب- قال ابن صاعد: يعني الشراب الحلال- ثم اسق الذي عن يمينك، ثم الذي يليه، ثم قم لحاجتك، فإذا كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر، فكل أنت وأصحابك، ألا وأشبعوا الناس في بيوتهم، وأطعموا عيالهم، فإن تجفينكم للناس لا يحسن أخلاقهم، ولا يشبع جائعهم، والله مع ذلك ما أظن رستاقا يؤخذ منه كل يوم شاتان وجريبان إلا يسرع ذلك في خرابه.
569- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: أجدب الناس على عهد عمر، فما أكل سمينا، ولا سمنا حتى أكل الناس.
570- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا جرير بن حازم قال: أخبرني يحيى بن عبيد الجهضمي، عن علقمة بن عبد الله المزني قال: أتي عمر بن الخطاب ببرذون، فقال: ما هذا؟ فقيل: يا أمير المؤمنين، هذه دابة لها وطأة، ولها هيئة، ولها جمال، تركبه العجم، فقام فركبه، فلما سار هز منكبيه، فقال: قبح الله هذا، بئس الدابة هذا، فنزل عنه.
571- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا مبارك بن فضالة، عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: لا تنخلوا الدقيق فإنه طعام كله.
572- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا سفيان، عن سليمان، عن أبي وائل، عن يسار بن نمير قال: ما نخلت لعمر طعاما قط إلا وأنا له عاص.
573- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن أيوب الطائي، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: لما قدم عمر أرض الشام أتي ببرذون فركبه، فهزه، فكرهه، فنزل عنه، وركب بعيره، فعرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع موقيه، فأخذهما بيده، وخاض الماء، وهو ممسك بعيره بخطامه- أو قال: بزمامه- فقال له أبو عبيدة بن الجراح: لقد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل الأرض، قال: فصك في صدره، ثم قال: أوه- يمد بها صوته- لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس:، وأقل الناس، وأحقر الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله.
574- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: سمعت أسلم مولى عمر يذكر أنه كان مع عمر وهو يريد الشام حتى إذا دنا من الشام، أناخ عمر، وذهب لحاجة له، قال أسلم: فطرحت فروتي بين شعبتي رحلي، فلما فرغ عمر عمد إلى بعير أسلم، فركب على الفرو، وركب أسلم بعير عمر، فخرجا يسيران حتى لقيهما أهل الأرض، قال أسلم: فلما دنوا منا أشرت لهم إلى عمر، فجعلوا يتحدثون بينهم، فقال عمر: تطمح أبصارهم إلى مراكب من لا خلاق لهم. كأن عمر يريد مراكب العجم.
575- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: قدم عمر بن الخطاب الشام، فتلقاه أمراء الأجناد، وعظماء أهل الأرض، فقال عمر: أين أخي؟ قالوا: من؟ قال: أبو عبيدة، قالوا: يأتيك الآن، قال: فجاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه، وسأله، ثم قال للناس: انصرفوا عنا، فسار معه حتى أتى منزله، فنزل عليه، فلم ير في بيته إلا سيفه، وترسه، ورحله، فقال له عمر بن الخطاب: لو اتخذت متاعا- أو قال: شيئا- قال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، إن هذا سيبلغنا المقيل.
576- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عامل لعمر كان على أذرعات، قال: قدم علينا عمر بن الخطاب، وإذا عليه قميص من كرابيس، فأعطانيه، فقال: اغسله وارقعه، قال: فغسلته ورقعته، ثم قطعت عليه قميصا، فأتيته بهما، فقلت: هذا قميصك، وهذا قميص قطعته عليه؛ لتلبسه، فمسه، فوجده لينا، فقال: لا حاجة لنا فيه، هذا أنشف للعرق منه.
577- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: لقد رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه.
578- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل من أهل الشام أنه دخل على أبي ذر، وهو يوقد تحت قدر له من حطب، قد أصابه مطر ودموعه تسيل، فقالت له امرأته: لقد كان لك من هذا مندوحة، ولو شئت لكفيت، فقال: فأنا أبو ذر، وهذا عيشي، فإن رضيت وإلا فتحت كنف الله، قال: فكأنما ألقمها حجرا حتى إذا أنضج ما في قدره جاء بصحفة، فكسر فيها خبزا له غليظا، ثم جاء بالذي كان في القدر فكدره عليه، ثم جاء به إلى امرأته، ثم قال: ادن، فأكلنا جميعا، ثم أمر جاريته أن تسقينا، فسقتنا مذقة من لبن معزاه، فقلت: يا أبا ذر، لو اتخذت في بيتك عيشا، فقال: عباد الله، أتريدون من الحساب أكثر من هذا؟ أليس هذا مثالا، نرقد عليه، وعباءة نبسطها، وكساء نلبسه، وبرمة نطبخ فيها، وصحفة نأكل منها، وبطة فيها زيت، وغرارة فيها دقيق، أتريد لي من الحساب أكثر من هذا؟ قلت: فإن عطاءك أربع مائة دينار، وأنت في شرف من العطاء، فأين يذهب عطاؤك؟ فقال: أما أني لن أعمي عليك، لي بهذه القرية- وأشار إلى قرية بالشام- ثلاثون فرسا، فإذا خرج عطائي اشتريت لهم علفا، وأرزاقا لمن يقوم عليها، ونفقة لأهلي، فإن بقي منه شيء اشتريت به فلوسا، فجعلت عند نبطي ههنا، فإن احتاج أهلي إلى لحم أخذوا منه، وإن احتاجوا إلى شيء أخذوا منه، ثم أحمل عليها في سبيل الله، ليس عند آل أبي ذر دينار ولا درهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق