الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

توبة داود وذكر الأنبياء صلوات الله عليهم.


.باب توبة داود وذكر الأنبياء صلوات الله عليهم:
464- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا ابن لهيعة قال: حدثني الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح قال: سمعت وهبا الذماري، يحدث عن فضالة بن عبيد، أن داود عليه السلام سأل ربه عز وجل أن يخبره بأحب الأعمال إليه، فقال: عشرا إذا فعلتهن يا داود، لا تذكرن أحدا من خلقي إلا بخير، ولا تغتابن أحدا من خلقي، ولا تحسدن أحدا من خلقي، قال داود: يا رب، هؤلاء الثلاث لا أستطيع فأمسك علي السبع، ولكن يا رب أخبرني بأحبائك من خلقك أحبهم لك، قال: ذو سلطان يرحم الناس، ويحكم للناس كما يحكم لنفسه، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه ابتغاء وجه الله وفي طاعة الله عز وجل، ورجل يفني شبابه وقوته في طاعة الله عز وجل، ورجل كان قلبه معلقا في المساجد من حبه إياها، ورجل لقي امرأة حسناء فأمكنته من نفسها فتركها من خشية الله، ورجل حيث كان يعلم أن الله تعالى معه، نقية قلوبهم، طيب كسبهم، يتحابون بجلالي، أذكر بهم ويذكرون بذكري، ورجل فاضت عيناه من خشية الله عز وجل.
465- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يقول: لما أصاب داود الخطيئة، خر ساجدا أربعين ليلة، فقيل له: يا داود، ارفع رأسك فقد عفوت عنك، قال: يا رب، أنت حكم عدل لا تظلم، وقد قتلت الرجل، قال: أستوهبك منه فيهبك لي، فأثنيه الجنة.
466- قال: وسمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يقول: خر داود أربعين ليلة ساجدا يبكي، فرفع رأسه وما في جبينه لحادة من لحم.
467- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا بكار بن عبد الله قال: سمعت وهب بن منبه يقول: ما رفع رأسه حتى قال له الملك: أول أمرك ذنب، وآخره معصية، ارفع رأسك، فرفع رأسه، فمكث حياته لا يشرب ماء إلا مزجه بدموعه، ولا يأكل طعاما إلا بله بدموعه، ولا يضطجع على فراش إلا أعراه- أو قال: أغراه- بدموعه حتى انهرم، فكان لا يدفئه لحاف.
468- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: مكث أربعين يوما ساجدا- يعني داود، ولا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينيه حتى غطى رأسه، فنودي يا داود، أجائع فتطعم؟ أم ظمآن فتسقى؟ أم عار فتكسى؟ قال: فأجيب في غير ما طلب، فنحب نحبة هاج منه العود فاحترق من حر جوفه، ثم أنزل الله التوبة والمغفرة، فقال: يا رب، اجعل خطيئتي في كفي، فكان لا يبسط كفه لطعام، ولا لشراب، ولا لشيء سوى ذلك إلا رآها فأبكته، قال: فإن كان ليؤتى بالقدح ثلثاه ماء، فإذا تناوله أبصر خطيئة، فما يضعه على شفتيه حتى يفيض من دموعه.
469- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الله الجدلي قال: ما رفع رأسه إلى السماء حتى مات، حياء من ربه عز وجل يعني داود صلى الله عليه وسلم.
470- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا الوليد بن مسلم قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد الفزاري، عن عبد الملك بن سليمان، عن مجاهد قال: كانت خطيئة داود منقوشة في كفه.
471- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك، والهيثم بن حميد قالا: أخبرنا صالح المري، عن أبي عمران الجوني، عن أبي الجلد قال: قرأت في مسألة داود ربه تعالى: إلهي ما جزاء من عزى الحزين المصاب ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن أكسوه كساء من أردية الإيمان، أستره به من النار، قال: إلهي فما جزاء من يتبع الجنائز ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن تشيعه الملائكة يوم يموت، وأصلي على روحه في الأرواح، قال: إلهي فما جزاء من يشبع اليتيم والأرملة ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي، قال: إلهي فما جزاء من بكى من خشيتك حتى تسيل دموعه على وجهه؟ قال: جزاؤه أن أحرم وجهه عن لفح النار، وأن أؤمنه يوم الفزع عن لفح النار.
472- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا عبد العزيز بن عبد الصمد قال: حدثنا مالك بن دينار، عن معبد الجهني، عن أبي العوام مؤذن بيت المقدس، عن كعب الأحبار قال: بينما بنو إسرائيل يصلون في بيت المقدس إذ جاء رجلان، فدخل أحدهما، ولم يدخل الآخر، وقام خارجا على أبواب المسجد، وقال: أنا أدخل بيت الله، ليس مثلي يدخل بيت الله، وقد عملت كذا وكذا، وجعل يبكي، ولم يدخل، قال كعب: فكتب من الغد أنه صديق.
473- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا إسماعيل بن عياش، عن أبي سلمة الحمصي، عن يحيى بن جابر، عن يزيد بن ميسرة قال: كان طعام يحيى بن زكريا الجراد، وقلوب الشجر، وكان يقول: من أنعم منك يا يحيى وطعامك الجراد، وقلوب الشجر؟.
474- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال أخبرنا الوليد بن مسلم قال: أخبرنا أبو سلمة ثابت الدوسي، عن سالم بن عبد الله، قال: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزقني عينين هطالتين تبكيان بذروف الدموع، وتشفياني من خشيتك قبل أن يكون الدموع دما، والأضراس جمرا».
475- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين، قال: أخبرنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: قلت ليزيد بن مرثد: ما لي أرى عينيك لا تجف؟ قال: وما مسألتك عن ذلك؟ قلت: عسى الله عز وجل أن ينفع به، قال: يا أخي، إن الله تعالى تواعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار، ولو تواعدني ألا يسجنني إلا في الحمام لكنت حريا ألا يجف لي عيني.
476- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا الوليد بن مسلم قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: قيل: ليزيد بن مرثد، أهكذا أنت في خلواتك؟ قال: وما مسألتك عن ذلك؟ قلت: عسى الله أن ينفع به، قال: والله إن ذلك ليعرض لي حين أسكن إلى أهلي، فيحول بيني وبين ما أريد، وإنه ليوضع الطعام بين يدي فيعرض لي، فيحول بيني وبين أكله حتى تبكي امرأتي، ويبكي صبياننا، لا يدرون ما أبكانا، ولربما أضجر ذلك امرأتي، فتقول: يا ويحها، خصت به معك من طول الحزن في هذه الحياة الدنيا ما تقر لي معك عين.
477- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا الوليد بن مسلم قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، أن داود كان يعاتب في كثرة البكاء، فيقول: ذروني أبكي قبل يوم البكاء، قبل تحريق العظام، واشتعال اللحى، قبل أن يؤمر بي ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
478- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا الوليد بن مسلم قال: سمعت الأوزاعي يقول: سمعت بلال بن سعد: كفى بي والله ذنبا أن يكون الله عز وجل يزهدنا في الدنيا، ونحن نرغب فيها، فزاهدكم راغب، وعالمكم جاهل، وعابدكم مقصر.
479- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين، قال: أخبرنا الوليد بن مسلم قال: سمعت الأوزاعي يقول: سمعت بلال بن سعد، يقول في مواعظه: يا أهل الخلود، ويا أهل البقاء، إنكم لم تخلقوا للفناء، وإنما تنقلون من دار إلى دار.
480- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين، قال: أخبرنا الوليد بن مسلم قال: قال: عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، سمعت بلال بن سعد يقول: يا أهل الخلود، يا أهل البقاء، إنكم لم تخلقوا للفناء، وإنما تنقلون من دار إلى دار، كما نقلتم من الأصلاب إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى القبور، ومن القبور إلى الموقف، ومن الموقف إلى الخلود في الجنة أو النار.
481- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا الوليد بن مسلم قال: سمعت الأوزاعي يقول: سمعت بلال بن سعد يقول: أخ لك كلما لقيك ذكرك بحظك من الله، خير لك من أخ لك كلما لقيك وضع في كفك دينارا.
482- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حضر العشاء، وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء»، قال ابن صاعد: لا أعلم روى هذا الحديث عن معمر إلا ابن المبارك.
483- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا الوليد قال: حدثنا جابر، عن عطاء الخراساني قال: نقش داود خطيئته في كفه لكي لا ينساها، فكان إذا رآها اضطربت يداه.
484- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، عن سيار، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود قال: وددت أن يغفر لي ذنب واحد ولا يعرف نسبي.
485- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا سفيان، عن عاصم، عن أبي عثمان، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتعرض للمسألة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكم طعام؟»، قال: نعم، قال: «فتطبخون فتطيبون وتقزحون؟» قال: نعم، قال: «ألكم شراب؟» قال: نعم، فقال: «فتعرضون، وتبردون، وتنظفون وتطيبون؟»، قال: نعم، قال: «فجمعتها جميعا في البطن؟» قال: نعم، قال: «فأين معادهما؟» قال: الله ورسوله أعلم، قالها ثلاثا، قال: «كان معادهما كمعاد الدنيا قمت إلى خلف بيتك، فأمسكت على أنفك من نتن ريحها» قال ابن صاعد: هكذا رواه ابن المبارك، وقد ذكر الفريابي فيه سلمان بشك.
486- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى، قال: حدثنا حميد بن زنجويه النسائي، وهاشم بن سعيد بقيسارية قالا: حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال: حدثنا سفيان، عن عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان _ قال: سفيان أراه عن سلمان، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ألكم طعام؟» قال: نعم، قال: «أتنظفون وتطبخون وتقزحون؟» قال: نعم، قال: «وتفعلون؟»، قال: نعم، قال: «ولكم شراب؟» قال: نعم، قال: «أتبردون، وتنظفون، وتقزحون؟» قال: نعم، قال: «فأين معادهما؟» قال: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن معادهما كمعاد الدنيا، يقوم أحدكم خلف بيته فيمسك على أنفه من نتن ريحه» قال ابن صاعد: وقد روي هذا الحديث عن أبي بن كعب ووقفه بعض ورفعه بعض.
487- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى، قال: حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عتي السعدي قال: سمعت أبي بن كعب يقول: إن الله تعالى جعل مطعم ابن آدم مثلا للدنيا، وإن ملحه وقزحه فقد علم إلى ما يصير قال ابن صاعد: وقد رفع عن الثوري، وعبد السلام بن حرب.
488- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى، قال: حدثنا الحسين قال: حدثناه محمد بن علي الوراق، قال: حدثنا موسى بن مسعود قال: حدثنا سفيان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عتي، عن أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا ضربت مثلا لابن آدم فانظر ما يخرج من ابن آدم، وإن قزحه وملحه إلى ما يصير».
489- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى، قال: حدثنا محمد بن الهيثم، قال: حدثنا أبو غسان قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن يونس، عن الحسن، عن عتي، عن أبي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ضرب الدنيا لمطعم ابن آدم مثلا، وضرب مطعم ابن آدم للدنيا مثلا، وإن قزحه وملحه» قال الحسن: وقد رأيتهم يطيبونه بالأفاويه والطيب، ثم يرمون به حيث رأيتم.
490- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن المستورد بن شداد، أحد بني فهر، قال: سمعت رسول الله يقول: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم، فلينظر بم ترجع».
491- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا شعبة، عن قتادة قال: سمعت مطرفا يحدث، عن أبيه، أنه انتهى إليه يعني النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر}، «يقول ابن آدم مالي مالي، فهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت؟ أو لبست فأبليت؟ أو تصدقت فأمضيت؟».
492- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا جرير بن حازم قال: سمعت الحسن، يقول: خرج رسول الله في أصحابه إلى بقيع الغرقد، فقال: «السلام عليكم يا أهل القبور، لو تعلمون ما نجاكم الله منه مما هو كائن بعدكم،» ثم أقبل على أصحابه، فقال: «هؤلاء خير لي منكم»، فقالوا: يا رسول الله إخواننا أسلمنا كما أسلموا، وهاجرنا كما هاجروا، وجاهدنا كما جاهدوا، وأتوا على آجالهم فمضوا فيها، وبقينا في آجالنا، فما يجعلهم خيرا منا؟ قال: «إن هؤلاء خرجوا من الدنيا، ولم يأكلوا من أجورهم شيئا، وخرجوا وأنا الشهيد عليهم، وإنكم قد أكلتم من أجوركم، ولا أدري ما تحدثون بعدي»، قال: فلما سمعها القوم والله عقلوها، وانتفعوا بها، قالوا: وإنا لمحاسبون بما أصبنا من الدنيا، وإنه لينقص به من أجورنا، فأكلوا والله طيبا وأنفقوا قصدا، وقدموا فضلا.
493- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: قال رجل لأخيه لما فتح الله عليهم: يا أخي، أتخشى أن يبلغنا ما نرى على ما نعلم؟ قال: وما يؤمنك من ذلك؟.
494- أخبرنا الشيخ الجليل الزاهد العالم أبو علي الحسين بن محمد بن الحسين الدلفي المقدسي رضي الله عنه قال: قرأ الشيخ أبو محمد ظاهر النيسابوري، على الشيخ الثقة أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن الحسن الجوهري ببغداد بباب المراتب حرسها الله غداة يوم الإثنين ثاني عشر جمادى الأولى من سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وأنا حاضر، وأقر به، قال: أخبركم أبو عمر محمد بن العباس بن محمد بن زكريا بن حيويه الخزاز، وأبو بكر محمد بن إسماعيل الوراق قراءة على كل منهما وأنت حاضر تسمع، قالا: أخبرنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن حصين بن عبد الرحمن، عن سالم بن أبي الجعد، أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كان استعمل النعمان بن مقرن على كسكر، فكتب إليه يناشده الله إلا نزعه عن كسكر، وبعثه في جيش من جيوش المسلمين، فإنما مثله مثل كسكر مثل مومسة تزين لي في كل يوم، فنزعه وبعثه في الجيش الذي بعثه إلى نهاوند.
495- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا سفيان، عن سليمان، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود قال: أنتم اليوم أطول اجتهادا وأطول صلاة، أو أكثر صلاة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا خيرا منكم، فقيل: لم؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدنيا وأرغب في الآخرة.
496- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، أخبره أن المسور بن مخرمة، أخبره أن عمرو بن عوف، وهو حليف بني عامر بن لؤي وكان شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح فقدم بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسول الله صلى عليه وسلم انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: «أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء؟» قالوا: أجل يا رسول الله، قال: «فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم».
497- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا يونس بن يزيد، عن الزهري، عن عروة، وسعيد بن المسيب، أن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثلاثا، ثم قال: «يا حكيم، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى»، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا وكان أبو بكر يدعو حكيما إلى العطاء فيأبى أن يقبل منه، ثم إن عمر دعاه للعطية فأبى أن يقبل منه شيئا، فقال عمر: إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم، أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، قال: فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس شيئا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي.
498- أخبركم أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الوراق قالا: أخبرنا يحيى قال: حدثنا الحسين قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا ابن لهيعة، حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن أبا الخير، حدثه، أن عقبة بن عامر، حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر، وقال: «إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها»، قال عقبة: وكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق